احترار البحار في تونس: تهديد للتنوع البيولوجي البحري

يتعرض البحر الأبيض المتوسط، وهو وجهة سياحية شهيرة ومصدر حيوي للغذاء للملايين من البشر، للتهديد بسبب تغير المناخ. إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس في تأثيرات شديدة على الحياة البحرية في المنطقة. فقد كشف تقرير حديث صادر عن اللجنة العلمية للبحر الأبيض المتوسط أن متوسط درجة حرارة سطح البحر في البحر الأبيض المتوسط قد ارتفع بنحو 1.5 درجة مئوية خلال القرن الماضي. وقد أدى ذلك إلى انخفاض في التنوع البيولوجي البحري، حيث لم يعد بإمكان العديد من الأنواع البقاء على قيد الحياة في موائلها التقليدية.

تشهد تونس تأثيرات كبيرة على تنوعها البيولوجي البحري بسبب تغير المناخ. فقد وجدت دراسة نشرت في مجلة Aquatic Conservation: وجدت النظم الإيكولوجية البحرية والمياه العذبة أن ارتفاع درجات حرارة البحر وتغير كيمياء المحيطات يتسببان في تأثيرات كبيرة على التنوع البيولوجي البحري في تونس. حيث تختفي الأعشاب البحرية وغيرها من الموائل الهامة الأخرى، مما يؤدي إلى انخفاض في العديد من أنواع الأسماك واللافقاريات. واكتشفت دراسة أخرى نُشرت في مجلة PLOS ONE أن الزيادة في درجات حرارة سطح البحر تؤدي إلى تغيرات في وفرة وتوزيع بعض أنواع العوالق الحيوانية، والتي تعتبر مصدرًا غذائيًا مهمًا للعديد من الكائنات البحرية في تونس. وعلاوة على ذلك، فقد تغير توقيت موسم التفريخ لبعض أنواع الأسماك، مثل الأنشوجة الأوروبية والسردين، بما يصل إلى أسبوعين على مدى العقود القليلة الماضية، على الأرجح نتيجة لتغير درجات حرارة البحر.

ولفهم هذه الظاهرة بشكل أفضل، ذهبنا لمقابلة محمد صالح بن رمضان، الأستاذ بالمعهد الوطني الفلاحي بتونس والمتخصص في تأثير التغير المناخي على التنوع البيولوجي البحري، والذي سيشرح بمزيد من التفصيل تأثيرات الأزمة المناخية على التنوع البيولوجي البحري في تونس.

وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة PLOS ONE، انخفض التنوع البيولوجي البحري في البحر الأبيض المتوسط بنسبة 34% تقريبًا على مدى السنوات الخمسين الماضية، حيث كان تغير المناخ عاملاً مهمًا. فقد أدى ارتفاع درجات حرارة البحر إلى اختفاء بعض الأنواع، مثل الأعشاب البحرية وبعض أنواع الأسماك، في حين اضطرت أنواع أخرى إلى الانتقال إلى مناطق مختلفة للبقاء على قيد الحياة. يعد البحر الأبيض المتوسط من أكثر المناطق في العالم عرضة لتأثيرات تغير المناخ على التنوع البيولوجي البحري، وفقًا لدراسة نشرت في مجلة Nature Climate Change. وقد يفقد ما يصل إلى 50% من الأنواع البحرية بحلول نهاية القرن الحالي.

كما يشكل تحمض البحر الأبيض المتوسط مصدر قلق كبير للتنوع البيولوجي البحري. فعندما يتم امتصاص ثاني أكسيد الكربون في المحيط، فإنه يتفاعل مع مياه البحر لتكوين حمض الكربونيك، مما يزيد من صعوبة بناء العديد من الأنواع لأصدافها وهياكلها العظمية. ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة على أنواع مثل الشعاب المرجانية والرخويات. وقد وجدت دراسة نُشرت في مجلة “نشرة التلوث البحري” أن البحر الأبيض المتوسط أصبح أكثر حمضية بمعدل أسرع بخمس مرات من المتوسط العالمي.

خريطة تُظهر ارتفاع درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط
غرب البحر الأبيض المتوسط: درجات حرارة مرتفعة بشكل استثنائي رصدتها شركة مركاتور للمحيطات. المصدر: مركاتور أوشن

إن أهم تأثير لتغير المناخ على الحياة البحرية في البحر الأبيض المتوسط هو انتشار الأنواع الغازية. فمع ارتفاع درجات حرارة البحر، تهاجر الأنواع القادمة من المياه الأكثر دفئاً نحو الشمال، مما يؤدي إلى اضطراب النظم الإيكولوجية بأكملها ويهدد بقاء الأنواع المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، يتسبب تغير المناخ في حدوث تغيرات في توقيت الأحداث البيئية الحاسمة، مثل تزاوج بعض الأنواع وهجرتها. على سبيل المثال، تغيّر موسم تبيض أسماك التونة زرقاء الزعانف في البحر الأبيض المتوسط بحوالي أسبوعين خلال العقود القليلة الماضية، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة “علم أحياء التغير العالمي”. اكتشفت دراسة نشرت في مجلة “الغزوات البيولوجية” أن الأنواع الغازية تنتشر بمعدل ينذر بالخطر في البحر الأبيض المتوسط، حيث تم تسجيل أكثر من 1000 نوع جديد في المنطقة خلال القرن الماضي. يعد ارتفاع درجات حرارة البحر أحد الدوافع الرئيسية لهذا الاتجاه، مما يسمح للأنواع القادمة من المياه الدافئة بالهجرة شمالاً وتأسيس نفسها في مناطق جديدة.

هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة قضية تغير المناخ في البحر الأبيض المتوسط. ومن الأهمية بمكان الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحماية البوسيدونيا من خلال إنشاء المزيد من المناطق المحمية للمساعدة في الحفاظ على الأنواع والنظم الإيكولوجية المعرضة للخطر.


المصادر:

تم تطوير هذه المقالة بالتعاون مع مشروع مبادرة صحافة الأرض الإعلامية المتوسطية لصحافة الأرض.

جميع الحقوق محفوظة © 2022 تونس الزرقاء. جميع الحقوق محفوظة

0
Show Comments (0) Hide Comments (0)
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments